القائمة الرئيسية

الصفحات

شريط الاخبار

hispris:بنكي في القنيطرة يختلس أموال زبناء «صندوق التوفير» بسبب «السماوي»



كريم أمزيان
يجمع الباحثون المتخصصون على أنه في غياب إحصاءات رسمية ودراسات سوسيولوجية في الموضوع، لا يمكن القول إن عمليات النصب نقصت أو تراجعت، ويؤكدون أنه بالنظر إلى كم المغريات في الحياة، التي أضحت في تزايد مستمر، لا يمكن الجزم ونقول إن أساليب الاحتيال قلت. فعملية النصب هي علاقة بين شخص يرغب في الحصول على إشباع من شيء ما قد يكون لا يستحقه أصلاً بسرعة قصوى، وآخر «نصاب» يعتمد الكذب وطرقاً خاصة تعتمد الدهاء بدرجة أولى، فيوهم ضحيته باستخدام الكذب.
وعموماً فالباحثون المتخصصون يرون أن النصب والاحتيال يكون بين شخصين أحدهما طماع والآخر كذاب، يعتبرونهما متورطين في عملية النصب، ويذهبون إلى القول إنه حتى الضحية، الذي لا يفضلون تسميته بهذا الاسم، متورط في العملية.
كثيراً ما تطلق عبارة «السماوي» على العمليات التي يصعب خلالها اكتشاف عملية النصب، إذ إن وسائل المحتال، بحسب الباحثين، تنقسم إلى قسمين؛ منها الذاتية وأخرى يعتبرونها موضوعية، عبارة عن أدوات وأكسسورات تستعمل للإيقاع بالضحايا.. لكنهم  يؤكدون أن «النصاب» يتقن فن الكلام والخطابة، وآخرون يلاحظون أن من يوقعون الضحايا يكونون أنيقين ونظيفين، فيما كثير من الضحايا يتفقون على أن معظم «النصابين» يظهرون بلباس الإنسان المتدين.. لكن يتضح، في نهاية المطاف، أن «النصاب» شخص عاد، لكن يختلف من خلال البعد الثقافي والمستوى التعليمي وأبعاد سوسيولوجية وسوسيو ثقافية.. فمعظمهم ثقّفتهم الحياة وعلمتهم عبر التجارب، حتى خبروا كيفية التعامل مع الآخر والنصب عليه بأدهى الطرق..
ملف «جرائم الأموال» الذي تنفتح عليه «الأخبار» في عدد اليوم، ينقل وقائع قصة رجل بنكي تحمل المسؤولية في «البريد بنك»، غير أنه، وفق تأكيده في كل مراحل الدعوى، التي كانت تنظر فيها الهيأة القضائية المكلفة بقسم جرائم الأموال بغرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط، جرى النصب عليه من قبل إمامين، عبر استعمالهما طريقة النصب «السماوي»..
قرار الإحالة
الملف الذي لم يأخذ طريقه إلى المحكمة الابتدائية، بعدما لم يتم تكييفه على أنه جنحة، وجرت إحالته على محكمة الاستئناف، بطله شخص يدعى (م.ب)، رأى النور في مدينة القنيطرة، بتاريخ 29 دجنبر 1963، متزوج الآن وأب لطفل واحد. اشتغل في إحدى وكالات «البريد بنك» بمدينة القنيطرة، جرت متابعته في حالة اعتقال على ذمة هذه القضية، بالسجن المحلي 01 بسلا، من أجل جرائم اختلاس أموال عامة وخاصة، ودخول نظام المعالجة الآلية للمعطيات من طرف مستخدم أثناء مزاولة مهامه عن طريق الاحتيال، وتزوير وثائق المعلوميات وتزوير وثائق بنكية، وهي الأفعال المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول 241  607/3 607/4 607/7 و357 من مجموعة القانون الجنائي.
المتهم اشتغل في الوكالة البريدية المذكورة، منذ زمن طويل، وفي سنة 2008، وبحسب تصريحاته التي لم يغيرها طيلة مراحل البحث والتحقيق والدعوى القضائية، أمام كل من الشرطة القضائية، والنيابة العامة وقاضية التحقيق في الغرفة الخامسة والهيأة القضائية التي حوكم أمامها، فإنه تعرف سنة 2008، في ما يشبه قصة خرافية، على عدد من الأئمة والخطباء والمؤذنين، بعضهم يزاول مهامه في مساجد المدينة، وأصبح لا يفارقهم، إذ كان يجالسهم في كل أوقات فراغه، خصوصاً في مجالس الذكر وتلاوة القرآن وترتيله، ونسج معهم علاقات تطورت مع مرور الوقت، جعلتهم في ما بعد يترددون على الوكالة البريدية التي كان يعمل فيها، حتى إن عدداً غير يسير منهم، اقتنع بفكرة ضرورة نقل حساباتهم البنكية إلى الوكالة التي كان يشتغل فيها، بالنظر إلى طبيعة العلاقات التي كانت تربطهم معه، فظلوا يترددون عليه من أجل استخلاص مرتباتهم الشهرية والحوالات البنكية التي كانت تودع في حساباتهم على رأس كل شهر.
ما يثير الاستغراب، وفقاً للإفادات التي أدلى بها الموظف البنكي الذي لا تفارقه سجادته، في كل الجلسات التي يحضر فيها إلى المحكمة، من أجل محاكمته أمام الهيأة القضائية المكلفة بقسم جرائم الأموال بغرفة الجنايات الابتدائية، بمحكمة الاستئناف بالرباط، هو أنه تعرف على إمامين ذكرهما باسميهما، ومازال يتذكر صفاتهما وملامحهما، غير أنه يؤكد أنهما اختفيا، ولم يعد لديهما أي حضور، منذ تسببا له في ولوج ردهات المحاكم، والزج به في زنزانة بسجن سلا، بعد متابعته بتهمة متعلقة بجريمة مالية.
هذا وظل المتهم، طيلة مراحل الملف، يقول إن شخصين كانا يزورانه باستمرار في مقر عمله، على الرغم من عدم توفرهما على حساب بنكي في الوكالة التي يعمل بها، ومع ذلك لا يمر أسبوع، لا يزورانه فيه في الوكالة البنكية، مرات عدة، مشيراً إلى أن علاقته بهما توطدت أكثر، فشرعا في أمره بالانقطاع عن العمل، وتركه والبحث عن بديل آخر، بالنظر إلى أنه يشتغل في مؤسسة ربوية، ولا يجب عليه أن يطعم أبناءه من عائداته منه، قبل أن يعلما ذات يوم أنه يعاني من مضاعفات ارتفاع الضغط الدموي، فاقترحا عليه أن يخضعاه للرقية الشرعية.
تصريحات المتهم هذه، لم تتغير، بحسب وثائق الملف، فكل من اطلع على محضر الاستماع إليه، سيجد أنه الكلام نفسه الذي كرره خلال إحالته على الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط، من أجل الاستماع إليه، وهو ما أعاد ذكره بالتفاصيل المملة ذاتها، أمام قاضي التحقيق، ولم يجد أي حرج في تكراره أمام المحكمة خلال محاكمته وقبيل النطق بالحكم في حقه.
قبِل البنكي، الذي أصبح في ما بعد متهما في قسم جرائم الأموال، عرض الإمامين بأن يخضع لرقيتهما الشرعية، فرافقهما إلى أحد المساجد، وفق إفاداته، وهناك جلسوا جميعاً القرفصاء، فوضع أحدهما يده على رأسه، وشرع الآخر في ترديد كلمات غير مفهومة، بعدما طلبا منه التركيز والاستماع إليها بشكل دقيق، وبعد دقائق من انتهائهما من العملية، سلماه قنينة يوجد فيها سائل، وطلبا منه تناوله، فلم يمانع في القيام بذلك.
اكتشاف الاختلاسات
كنه القصة، بحسب تفاصيل الملف، ينطلق بعد هذا المعطى الذي يحكيه المعني بالأمر بطريقة مذهلة تجعل الجميع يصدقها، دون إعمال لمنطق العقل أو مشرحة المنطق، إذ إنه مباشرة بعد جلسة الرقية، تغيرت سلوكاته، إذ بدأ يسحب مبالغ مالية من حسابات زبناء ويسلمها للإمامين، وهي العملية التي تكررت، حتى وجد نفسه أخرج مبلغاً ماليا كبيراً يتعذر عليه توفيره.
عمليات التفتيش التي تجريها الشركة التابعة لها الوكالة، كشفت اختلالات غير مسبوقة في تاريخها، همت اختلاس مبالغ مالية لعدد من الزبناء، خصوصا الذين فتحوا حسابات عبر «كناش صندوق التوفير»، وهي العملية التي حددت عجزاً مالياً، مؤقتاً، يقدر بأزيد من مليون درهم، إذ كان بالضبط  1.045.147.40 درهما، ما جعل الشركة تقدم شكاية إلى النيابة العامة، عجلت بفتح الفرقة الاقتصادية والمالية الثالثة بفرقة الشرطة القضائية بأنفا، في 17 نونبر 2014، والفرقة الاقتصادية والمالية بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية في 26 و27 فبراير 2015 تحقيقاً في الموضوع، بناء على رسالة مرجعية من الوكيل العام للملك، يطلب منه التحقيق في الموضوع، من خلال شكاية «البريد بنك» موجهة ضد (م.ب) الموظف لديها.
اعتراف وإدانة
الموظف اعترف بكل ما قام به، خلال البحث والتحقيق معه، واعترف بمسؤوليته عن سحب تلك الأموال، موضحاً أنه بحكم الثقة التي كانت تضعها فيه موظفتان تشتغلان معه، هما (إ.ر) و(ص.ف)، تمكن من الحصول على أرقام القن السري الذي تلجان به حاسوبيهما، ما سهل عليه القيام بعمليات سحب بحسابيهما الإلكترونيين في النظام الآلي للشركة، دون علمهما أو استشارة مسبقة معهما، وكان يوقع كذلك عوض الزبون المفترض على أنه تسلم مبلغاً ماليا جاء بنفسه إلى الوكالة من أجل سحبه، وذلك من خلال وصل خاص بالسحب، حتى تبدو العملية عادية، ولا يثار أي شك بشأن صدقيتها وقانونيتها، أثناء عملية المحاسبة اليومية التي تتم بهذه الوكالة، وهي الطريقة الأولى التي نهجها، بناء على اعترافه.
الطريقة الثانية التي اهتدى الموظف إلى استخدامها، كان يقوم بها مباشرة مع الزبون، عندما كان يتقدم إليه في الوكالة من أجل إيداع مبلغ مالي، فقد كان يتسلمه منه، ويملأ له بيانات في كناش صندوق التوفير الوطني، وعوض أن يضع المبلغ في الصندوق، كان يتسلمه ويحتفظ به لنفسه، دون أن يدرجه في الحساب البنكي المبرمج في النظام الآلي. وبهذه الطريقة كان يحصل اختلاف وتباين في المعطيات، بين الدفتر الخاص بالزبون ورصيده، وهي العمليات التي استمرت من 2008 إلى 2014، مردها، بحسب المتهم، إلى عملية «السماوي» التي كان ضحية لها من قبل الإمامين اللذين أكد أنه لم تعد له بهما علاقة، وأنهما هما اللذان نصبا عليه.
وأنكر المتهم، في كل مراحل البحث والتحقيق معه، أن يكون اختلس أموال الوكالة البنكية، مشدداً على أنه منذ بدأ يشرب من القنينة التي سلمها إياه الإمامان، وهما يحلان عنده في الوكالة ويطالبانه بأموالها، من أجل بناء المساجد وإصلاحها، ما جعله يأخذها ويسلمها لهما دون أن يكون واعياً بأفعاله، إلى أن وجد نفسه محاطاً بتهمة جريمة «اختلاس وتبديد أموال عمومية»، وقد يكون ضحية نصب واحتيال باستعمال «السماوي»، غير أن الهيأة القضائية المكلفة بقسم جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالرباط، لم تقتنع بهذه الرواية، التي يبرر من خلالها المتهم اختفاء مبلغ كبير تجاوز 100 مليون سنتيم، وبدت لها مجرد خطة أراد بها المتهم أن يخفي بها تورطه في القضية، خصوصاً بعدما تابعته قاضية التحقيق من أجل «اختلاس أموال عامة، وخاصة  دخول نظام المعالجة الآلية للمعطيات من طرف مستخدم أثناء مزاولة مهامه، عن طريق الاحتيال وتزوير وثائق المعلوميات وتزوير وثائق بنكية»، ما جعلها تحكم عليه في الملف عدد 10/2624/2015 بـأربع سنوات حبساً نافذاً وغرامة مالية قدرها 5000 درهم وتعويض بقيمة 140 ألف درهم.

تعليقات