حِرص العاهل المغربي على الاهتمام أكثر بالعلاقات الخارجية للمملكة بدا واضحا خلال السنوات الأخيرة، فما بين زيارات الصداقة أو زيارات العمل، تمكن المغرب من دعم تواجده في الخريطة الدولية، كما تمكن من كسب العديد من النقط، سواء على المستوى الداخلي من خلال إبرام العديد من الاتفاقيات الاقتصادية التي تخدم الاقتصاد الوطني، أو على المستوى الخارجي من خلال التقارب مع العديد من الأقطاب الدولية.
ولعل زيارة الملك إلى واشنطن في نونبر 2013، بعد الموقف الأمريكي الداعي إلى توسيع صلاحيات المينورسو، لدليل على انخراط المؤسسة الملكية بكل ثقلها في السياسة الخارجية للبلد، خاصة في ظل "شبه غياب" لباقي الفاعلين الأساسيين وعلى رأسهم الأحزاب السياسية، اللهم بعض الزيارات القليلة، كما هو الشأن خلال زيارة أحزاب اليسار إلى السويد بعد موقفها المعادي للوحدة الترابية.
الدبلوماسية الملكية حاولت الانخراط في تعاون جنوب- جنوب، خاصة مع بلدان جنوب الصحراء، من خلال زيارة الملك إلى السنغال وكوت ديفوار والغابون وغينيا بيساو، وتوقيع مجموعة من الاتفاقيات، إضافة إلى فتح المجال لبلدان عدة قصد تكوين أئمتها بالمغرب، ما جعل الرباط تحتل الريادة إفريقيا في هذا المجال.
الملك حضر كذلك بنفسه على مستوى القارة الآسيوية. فقبل الزيارة التي قادته إلى الصين، والتي اختتمت برضا الطرفين عما أسفرت عنه، حل محمد السادس بالهند في زيارة عمل وصداقة، الثانية منذ توليه الحكم سنة 1999، شارك خلالها في القمة الإفريقية الهندية. وبالقارة نفسها، وطدت المؤسسة الملكية علاقات المغرب مع بلدان الخليج من خلال تنظيم قمة مغربية خليجية الأولى من نوعها، ألقى خلالها الملك خطابا وُصف بالقوي.
وفضلا على العلاقات التقليدية بين المغرب وفرنسا، والتي عرفت تقاربا وتباعدا، وضع التقرير الأممي الأخير حول الصحراء نقطة استفهام حول بعض الدول. فبعد أن طرحت الولايات المتحدة الأمريكية قرارا يقضي بتمديد حضور بعثة المينورسو بالصحراء لعام إضافي، صوتت كل من فنزويلا والأورغواي بالرفض، وهي البلدان التي لا تخفي دعهما لما يسمى بالجبهة الانفصالية، الشيء الذي ربما قد يدعو إلى تسليط الضوء أكثر على علاقة المغرب ببلدان أمريكا اللاتينية، ولم لا أن تشمل الدبلوماسية الملكية بلدان هذه المنطقة.
فن الممكن
من النقطة نفسها انطلق ميلود بلقاضي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط، ليؤكد، في تصريح لهسبريس، أنه بناء على السياسية الخارجية التي أصبح ينتهجها المغرب، والتي بدأت تخرج على الجغرافية الدبلوماسية التقليدية للمملكة، خاصة خلال عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ومن خلال ربط التحركات الأخيرة للملك محمد السادس بما أفرزه التقرير الأممي الأخير حول قضية الصحراء، وبعد نتائج التصويت، "يبدو أن نقطة الضعف في السياسة الخارجية المغربية هي أمريكا اللاتينية".
ويرى بلقاضي أن المغرب، ربما، ارتكب خطأ سياسيا سنة 2002 حينما لم يحافظ على عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أولا في حكومة التناوب الثانية، "فالملاحظ للعلاقات الدولية خلال تلك الفترة سيتبين له أن عهد اليوسفي تميز باختراق المغرب لمجموعة من بلدان أمريكا اللاتينية التي ربطت علاقات قوية مع المغرب آنذاك"، بتعبير المتحدث.
وهذا ما يستدعي، بحسب بلقاضي، من كل الفاعلين السياسيين، بمن فيهم المؤسسة الملكية، أن يبحثوا عن كل الوسائل لاختراق الحواجز التي وضعتها الجزائر لوصول الصوت المغربي إلى بلدان أمريكا اللاتينية، "فهي بلدان تعيش المشاكل الاقتصادية والسياسية نفسها، ولها التطلعات والإصلاحات نفسها، وهي ربما الوحيدة التي تساند دوليا أطروحة البوليساريو".
وبما أن السياسة فن الممكن، وفق المتحدث ذاته، فالأكيد أن العاهل المغربي سيضع ضمن أجندته الإستراتيجية زيارات مستقبلية لبلدان أمريكا اللاتينية حتى يتمكن المغرب من تعزيز حضوره الدولي، "ونشير هنا، للأمانة العلمية، أن حزب الأصالة والمعاصرة قام بمجهود كبير في هذا الإطار"، يضيف بلقاضي مشددا على أن السياسة اليوم لا تنبني بالأساس على علاقات المحبة والصداقة، بقدر ما تنبني على المصالح، ولأجل ذلك يجب على المغرب أن يكثف من جهوده لربط علاقاته مع هذه البلدان.
من المستبعد
أوضح الموساوي العجلاوي، الباحث في القضايا الدولية، أن الملك محمد السادس أصبح يستعمل الدبلوماسية الملكية بشكلها القوي دعما للقضية الوطنية؛ إذ إن الملك أصبح يلعب دورا كبيرا في السياسة الخارجية المغربية، ما يجعل الانفتاح على بلدان أمريكا اللاتينية شيئا واردا، "بالرغم من أن المنطقة تعيش على وقع العديد من التحولات السياسية، وبالتالي فلا أعتقد أن الظرف الحالي يساعد على الذهاب في هذا التوجه، خاصة مع استحضار الوضع السياسي في البرازيل وباقي بلدان المنطقة".
ونظرا لهذه الأوضاع، يرى العجلاوي أن الأمر يجعل من الصعب الانفتاح على هذه المناطق بحكم أنها تعرف اضطرابات سياسية، "وعلى عكس ذلك، فالمغرب تجمعه علاقات جد متميزة مع بلدان أمريكا الوسطى".
كما أنه من الملاحظ، يضيف العجلاوي، أن الزيارات الملكية "تسبقها ترتيبات خاصة، وتمتاز بالدقة في الإعداد والأهداف المرصودة من ورائها، وبالتالي فمسألة الانفتاح على بلدان أمريكا اللاتينية هي مسألة أساسية، لكن بالنظر إلى الأوضاع السياسية لهذه البلدان، يبدو أن المناخ غير صالح لتحقيق الأهداف المرتقبة من كل زيارة ملكية".
واعتبر العجلاوي أنه إذا ما أنتجت هذه الأوضاع السياسية تحولات داخلية، خاصة في فنزويلا التي من المرتقب أن تشهد بعض التغيرات، "وكانت هناك زيارة ملكية، فستكون ضربة قاضية لكل مشاريع الدولة الجزائرية والبوليساريو اللتين تعتمدان على فنزويلا كرأس حربة في امتداداتهما في أمريكا الجنوبية، وبالتالي فالانتظار هو السبيل لمعرفة تطور الأحداث"، يختم العجلاوي.
*صحافي متدرب
تعليقات
إرسال تعليق