الأسد يستمر حاكما لسوريا .. العالم يتابع دموية "رئيس الصدفة"
لم يكن بشار الأسد ينتظر أن يكون رئيساً لسوريا، فقد كان هذا المكان محجوزاً لأخيه الأكبر باسل الذي توفي بحادث سيارة عام 1994. وحتى بعد انتخابه رئيساً للبلد عام 2000 في انتخابات تُثير أرقامها الكثير من الريبة، بعد تعديل سريع للدستور حتى يسمح للشاب الذي لم يكمل حينئذ 35 عاماً بالترشح للمنصب، لم يدرك بشار الذي انتقل إلى السياسة من مجال طب العيون، أن عام 2011 سيشكلّ لحظة فارقة في التاريخ الحديث لسوريا، بإعلان ثورة على النظام انتقلت لاحقاً إلى حرب أهلية تحوّلت معها سوريا إلى مساحة هائلة من الدمار ومن معارك الوكالات بين القوى الدولية والإقليمية.
"رئيس الصدفة" كما يطلق عليه أحياناً في الإعلام، نجح فيم لم ينجح فيه عدد من رؤساء الحكم المطلق بالمنطقة العربية الذين سقطوا في أعقاب "الربيع العربي"، فهو الوحيد الذي استطاع الاستمرار في كرسيه رغم القبضة الدموية التي تعامل بها مع الاحتجاجات ورغم كل الوعيد الذي تلّقاه من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. اليوم، وبعد اقتراب الذكرى السابعة لاندلاع شرارة الاحتجاجات المطالبة برحيل نظامه، يَظهر الأسد كما لو أنه قد تجاوز المرحلة الصعبة التي هددته، محققاً عدة مكاسب لنظامه.
رَبِح المعركة أم الحرب؟
لا تبدو خريطة مناطق النفوذ داخل سوريا وردية للمتعاطفين مع الأسد، فالنظام فقد السيطرة على الكثير من الأراضي التي تفرّقت بقاعها بين المقاتلين الأكراد والمعارضة المسلحة والتنظيمات الجهادية وتركيا وحزب الله، لكن استعادة أحداث الأشهر الأخيرة يوّضح أن الأسد استرجع السيطرة الكاملة على عدة مناطق حيوية، خاصة حمص وحلب ودير الزور. وتعلّق دير شبيغل في تقرير لها بعنوان " كم يزال الأسد قوياً؟" أن النظام يُسيطر على أهم منطقة استراتيجية في سوريا، وهي الواقعة بين حلب في الشمال ودمشق في الجنوب، لافتةَ أن من يسيطر على هذه المنطقة، يستطيع التحكم في سوريا.
ومن أكبر ما استفاد منه الأسد، النتائج المرحلية السيئة لـ"الربيع العربي" التي غذت شعوراً بالرغبة في الأمن أكثر من البحث عن تغيير الأنظمة، إذ يمكن القول إنه عكس الحماسة التي ميزت عام 2011، ظهر نوع من الاستياء في أكثر من بلد، خاصة على ضوء انتخاب السيسي الذي وصفته عدة دول بالانقلاب، والفوضى الحاصلة في ليبيا واليمن، وترّدي الأحوال الاقتصادية في تونس. كما تذرّع نظام الأسد بتقوي شوكة "داعش" في سوريا، وبأن الجماعات الإرهابية قد تتحول إلى بديل للأنظمة الديكتاتورية، فكانت الحرب على "الإرهاب" ذريعة قوية لبقاء النظام.
من جانب آخر، لم تعد المطالب الدولية برحيل الأسد قوية كما كانت سابقا. صحيح أن قوى كالولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والسعودية لا تزال تشدّد على خروج بشار من الحُكم، إلّا أنه على الواقع الميداني، وكما يؤكد تحليل لبين هوبارد بجريدة نيويورك تايمز، تتعامل الكثير من القوى الإقليمية وحتى السوريون أنفسهم بأن بشار سيحكم سوريا لسنوات قادمة، حتى ولو كان ثمن هذا الحكم بلدا ضعيفا.
ويشير الكاتب إلى أن قسماً كبيراً من أنصار المعارضة ملّ من استمرار الحرب، ويبدو كما لو أنهم يتقبلون أمراً محتماً باستمرار النظام. ويستدل الكاتب على ذلك بعودة الحياة الطبيعية لسوريين كانوا يؤيدون المعارضة، لا يبحثون حالياً سوى عن العيش بسلام تحت مظلة الرئيس، خاصة وأن الوضع في المُدن التي يسيطر عليها، يبقى أفضل ممّا عليه الحال في عدة مناطق لا تقع تحت سيطرته. ويزيد من هذا الإحساس فشل الثوار في تكوين جبهة موحدة ضد الأسد، إذ تعاني المعارضة السورية من خلافات جوهرية، خاصة مع تركيز عدد من حلفائها على محاربة "داعش" أكثر من مواجهة النظام.
مكاسب لروسيا وإيران
بقدر ما يظهر الدِرع الروسي قوياً لحماية الأسد، بقدر ما يعطي إشارات كثيرة أنه أكبر بكثير من مقاس الرئيس السوري، فالاستراتيجية الروسية في سوريا ترغب بحماية مصالح أكبر من مجرّد التوقف عند حاكم لا يجد رؤساء دول أخرى غضاضة من وصفه بالمجرم. وتحاول موسكو قطف ثمار تحرّكها العسكري في سوريا، خاصة وأنها أنفقت الكثير من المال خلال الحرب، في ظرفية صعبة يجتازها الاقتصاد الروسي المنهك جرّاء أزمة مالية تعود لأسباب متعددة كالعقوبات الدولية.
يُدرك الأسد أن الحماية التي تلقاها من روسيا وكذا من إيران ليست دون ثمن مالي، لذلك فقد دعاهما إلى أن يكونا أكبر المساهمين في إعادة إعمار سوريا. ويشير تقرير لصحيفة التايم البريطانية بعنوان "الأسد يدعو الدول الصديقة إلى إعادة بناء سوريا" إلى أن روسيا حصلت عام 2017 على عدة عقود في النفط والبناء، كما وقعت مع نظام الأسد معاهدة للتجارة الحرة. كما وقعت سوريا وإيران عقداً لإدارة شبكة للهواتف النقالة، واشترت شركات إيرانية مساحة في مناطق يسيطر عليها الأسد. وليس طهران وموسكو فقط المستفيدتان، فهناك قوى أخرى بقيت على الحياد هي الأخرى يعدها الأسد بجزء من الكعكة مستقبلا.
هل تتحقق "صوملة" سوريا؟
بيدَ أن إلقاء نظرة على واقع الحال السوري، يجعل "انتصار بشار" عبارة مشكوك فيها، فالتقديرات الواردة في تقرير للمركز السوري لابحاث السياسات عام 2015، تعطي لمحة عن مدى كارثية الأوضاع بالبلد: أكثر من 80 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، 70 بالمئة تحت الفقر الشديد، 58 بالمئة يعانون من البطالة، معدل أمد الحياة تراجع بـ20 عاما، نصف الأطفال توقفوا عن الدراسة، كارثة في المجال الصحي سمحت بانتشار عدة أوبئة.
وتبين تقديرات أخرى أن حوالي نصف مليون سوري قُتلوا منذ بدء الحرب، وأكثر من ذلك بكثير في صفوف الجرحى ومعطوبي الحرب، فضلاً عن نزوح حوالي 5 ملايين سوري وفق أرقام الأمم المتحدة، الكثير منهم شباب متعلم، زيادة على مئات الآلاف من المعتقلين والمختفين قسراً.
يعتمد مقال بنيويورك تايمز تحت عنوان "الأسد فاز في سوريا.. لكن سوريا موجودة بمشقة" كتبه دافيك ليش وجيمس جيلفين على هذه التقديرات وأخرى كوقوع خسائر اقتصادية بالبلاد بحوالي 275 مليار دولار حتى يخلص إلى أن إعادة إعمار البلاد ستكون باهظة بشكل كبير، مشيراً إلى أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن تحتاج البنى التحتية لوحدها لتكلفة تقترب من 200 مليار دولار.
وفي الوقت الذي تعاني فيه روسيا وإيران من العقوبات الدولية، لا يظهر أنهما قادرتان، حسب المقال، من تغطية كل هذا العجز، ممّا يجعل سوريا قريبة مستقبلاً من النموذج الصومالي، أي انهيار تام للدولة رغم استمرار النظام، وهو ما حذر منه سابقا الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الأممي السابق إلى سوريا. وإذا ما تحقق هذا السيناريو، فالنظام السوري سيتعين عليه الاستمرار في استقبال المساعدات لوقت طويل من الوقت، ممّا سيجعل سلطته مقيدة بشكل كبير.
وليس فقط الجانب الاقتصادي هو ما يؤرق الأسد، فهناك كذلك الجانب السياسي، فإذا كان سماحه لإيران بالتمدد العسكري في سوريا بسبب فقدانه عدداً كبيراً من الجنود بين قتلى ومنشقين، فإنه مكنها كذلك من طموح أن تصير سوريا تابعة بالكامل لها، وهو وضع لم يحدث سابقا حتى مع العلاقات التي جمعت والده حافظ الأسد بالنظام الإيراني.
لكن ليست إيران وحدها من تتدخل بسوريا، فهناك كذلك روسيا والولايات المتحدة وتركيا وحتى إسرائيل، كل هذا جعل دير شببيغل تعلّق: "يظهر الأسد أحياناً كمجرد دمية لمن هبّ ودب!".
*ينشر بموجب اتفاقية شراكة مع DW عربية
تعليقات
إرسال تعليق